الاثنين، 2 يناير 2012

سمات الإتصال و الإعلام الدولي في " عصر العولمة "


إن تكنولوجيا الاتصال و الإعلام الدولي في القرن الواحد و العشرين و هو ما يسمى عصر العولمة ، تتميز بالسرعة و اللحظية و " التفاعلية ",   وتسعى إلى تحقيق القدرة على تبادل الأدوار بين المرسل و المستقبل , و الخروج من نطاق العمومية إلى الخصوصية قي توجيه الرسالة.
 كما يتميز الإتصال و الإعلام الدولي  ب :
-التخلص من قيود الزمان و المكان  , حيث أصبح بالإمكان إرسال أو استقبال أية رسالة في أي وقت، و هو ما يؤدي إلى ما يعرف ب Borderless Nations  .
-انتشار وسائل الإعلام , واتساع مجال استخدامها .
-الفاعلية المتزايدة لوسائل الإعلام.
-توسيع نطاق التغطية الإخبارية , وانتشار المراسلين في مناطق الحدث ونقله مباشرة.
-ارتفاع عدد قنوات الأخبار.
 -توظيف بنوك المعلومات مما يؤدي إلى تحسين الأداء المهني للوظيفة الإخبارية .
و قد أدى ذلك إلى ما يسمى ب " القرية العالمية " على سبيل المثال أصبحت الأحداث التي تحدث في اليمن يستطيع المواطن الذي يقطن في السويد أن يعرف بها في لحظتها بل و التعليق على الخبر الذي يقرأه و يقترح الحلول في ذات الوقت ، و قد استطاع المصريين الذين يقيمون في لندن أو الولايات المتحدة المساعدة في نشر أماكن تجمع النشطاء المصريين ليستفيد بها مصريين آخرين داخل مصر قبل توجههم إليها و التجمع جميعاً ثم التوجه إلى ميدان التحرير للمشاركة في الإعتصامات و التظاهرات التي أدت إلى ثورة 25 يناير و التي أدت بدورها إلى خلع الرئيس السابق محمد حسني مبارك .
نتطرق الآن إلى تعريف "العولمة" ، وقد حاول الكثيرون تعريفها من عدة أوجه و لكن في مجملها هي محاولة تعميم و توسيع و نشر و من ثم فرض نمط ثقافي و فكري معين على باقي الدول مع إقصاء للهوية الثقافية الخاصة لكل دولة .
والعولمة هي فعل قصدي يقصد به أن يعمم انتشار هذا الفعل أو هذه الثقافة ، و لكن مصطلح "العالمية" مختلف لأنه يعني الاتفاق العالمي حول بعض الأنشطة التي تستدعي العالمية مثل الألعاب الرياضية أو المنظمات الإنسانية أو المؤتمرات و هذا ما يؤكده معجم Webster’s  في تعريفه لمصطلح العالمية و هو إكساب الشيء طابع العالمية أي جعل نطاق تطبيقه عالمياً .
و يمكننا القول أن السعي وراء " عالم بلا حدود " أو السعي وراء تحقيق "القرية العالمية" ، إنما يأتي من الدول الشمالية في الأساس ، الدول الرأسمالية لدعم اقتصادها أو لنقول لزيادة الأموال و الدولارات المتدفقة في حسابات الشركات متعددة الجنسيات(MNC: Multi National Corporations)  فهي تسعى لخلق وعي عالمي و مواطنة عالمية و من ثم مستهلك عالمي .
إن  بعض المبشرين بفكرة العولمة مثل الصحفي الاقتصادي المخضرم في صحيفة الفاينانشيال تايمز مارتين وولفس في كتابه" لماذا العولمة هي الحلWhy Globalization Works “ عرف العولمة بأنها :
(تبادل شامل إجمالي بين مختلف أطراف الكون يتحول العالم على أساسه إلى محطة تفاعلية للإنسانية كلها… وان العولمة هي نموذج القرية الكونية التي ترتبط بين الناس والأماكن ملغية المسافات ومقدمة المعارف من دون قيود)
و أشار وولفس في مقال له نشر في 9 فبراير 2000 أن مستوي الدخل للفرد الواحد قد ارتفع منذ بدء حركة تحرير التجارة على مستوى الدول في حقبة الثمانينات و عليه فإن الدول النامية مثل جمهورية الكونجو الديمقراطية و رواندا عليها أن تسعى أكثر في إتجاه العولمة و أن تسعى لأن تفتح أسواقها للتجارة و الاستثمار العالميين لكي تلحق بركب الدول الغنية المتقدمة.  
بينما يذهب بعض المنتقدين للعولمة مثل ناعوم تشومسكي الكاتب و المفكر الأمريكي أنه لا جديد في النظام الدولي فالقواعد الأساسية مازالت كما هي قواعد القانون للضعفاء أو سطوة القوة للأقوياء، والعقلانية الاقتصادية والإصلاح الاقتصادي للضعفاء وقوة الدولة وحق التدخل والسيطرة للأقوياء.
و قد أكدت لويز تشيلي - الأستاذة في كلية الخدمات الدولية في الجامعة الأميركية، ومؤسسة ومديرة لمركز الجريمة والفساد عبر الدول في الجامعة الأميركية في واشنطن، العاصمة – ذلك في مقال لها نشر في مجلة "إي جورنال ، يو إس إيه " و هي مطبوعة يشرف عليها مكتب برامج الإعلام الخارجي التابع لوزارة الخارجية الأميركية و توجد على هذا الرابط : http://www.america.gov/st/econ-arabic/2008/May/20081103143128snmassabla0.9092066.html
حيث قالت:
في نهاية القرن العشرين، برزت ظاهرة جديدة تمثلت في قيام العولمة المتزامنة مع الجريمة، والإرهاب، والفساد، ذلك "الثالوث غير المقدس" الذي أصبح يظهر في كافة أنحاء العالم.
و أضافت : لكن هذا الثالوث غير المقدس أكثر تعقيداً من مجرد توجّه الإرهابيين نحو الجريمة لدعم نشاطاتهم، أو من مجرد الزيادة الدولية لتدفق السلع الممنوعة. فهو بالأحرى ظاهرة مميزة بذاتها تعمل فيها شبكات الجريمة المعولمة مع الإرهابيين، ويتمكن كلاهما من تنفيذ نشاطاتهما بنجاح يساعدهما في ذلك الفساد المستوطن.
و حيث أنها كاتبة أمريكية فبالطبع لن تزم أو تنتقد فكرة العولمة التي تصدرها و ترعاها الولايات المتحدة و هي أحد مواطنيها و تكتب في مطبوعة صادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية و لذلك أكدت قائلة:
بعكس الرأي القائل أن كل ذلك نتج عن العولمة، فإن الجريمة المنظمة والإرهاب كان لهما نشاط تاريخياً عابراً لحدود الدول. في الثلاثينات من القرن الماضي، كان أعضاء عصابات المافيا الإيطالية في الولايات المتحدة يسافرون إلى كوبيه في اليابان والى شنغهاي في الصين للحصول على المخدرات، وكان يلجأ أعضاء من مختلف عصابات الإجرام الأميركية إلى الصين لتجنّب وصول السلطات الأميركية المختصة بفرض تطبيق القانون إليهم. كما وجد أعضاء منظمة الجيش الجمهوري الأيرلندي ملجأ آمناً في كنف الجاليات الأيرلندية في الخارج التي وفرت كذلك الدعم المالي لهذه المنظمة في أيرلندا ،إلاّ أن الجديد اليوم، هو سرعة وتكرار تفاعلاتهم المتبادلة، وكثافة التعاون بين هذين الشكلين من الجريمة العابرة للحدود القومية.

و لكن الكاتبة تشيلي رجعت و ناقضت الفكرة قائلة :
اتجهت الجريمة المنظمة الدولية للعولمة في  نشاطاتها لنفس الأسباب الذي تدفع شركات مشروعة متعددة الجنسيات إلى عولمت أعمالها. وتماماً كما تُنتج شركات متعددة الجنسيات فروعاً لها حول العالم للاستفادة من الأيدي العاملة الرخيصة أو من أسواق المواد الأولية، كذلك تفعل مؤسسات الأعمال غير المشروعة.
و يذهب البعض في تحليل هذه الظاهرة إلى أنه ليس فقط السبب في بسط الهيمنة الثقافية و الإقتصادية للدول الرأسمالية يأتي من قوتها و لكن السبب أيضاً في ضعف الدول النامية أو الدول المستقبلة لهذه الثقافة في التشبث بهويتها الثقافية و بسط سيطرتها على وسائل الإعلام لديها وما يتطلبه ذلك من تكنولوجيا الإتصال .
و يذهب البعض الآخر إلى أن من سمات العولمة الأساسية هو أن يصبح العالم يتبع شبكات الإتصال المعلوماتية التي تخدم الشركات الرأسمالية من أجل جعله عالم واحد بدون دولة و بدون وطن و هو الذي يؤدي بدوره لخلق مستهلكين متجانسين عالميين مما يساعد الشركات المتعددة الجنسيات في نشر منتجاتها و تسويقها بشكل أفضل.
إن إستخدام هذه الإستراتيجية من " العولمة " من قبل الدول المتقدمة يعتبر من سياسات القوة الناعمة ، و قد عبر عنها الكاتب الصحفي الشهير توماس فريدمان أبلغ تعبير حين قال :
هناك استحالة نشوب نزاع مُسلح بين دولتين بهما فروع لماكدونالد ماثلة حتى اللحظة، ولم يتحقق ما يُبطلها؛ حيث توقع أنْ تنشأ نزاعات مسلحة في الدُّول التي لم تفتتح بعدُ فروعًا لماكدونالدز بها ( وهي العراق، وسوريا، وإيران).
بل أنه ذهب البعض الآخر في مؤازرة فكرة " المواطنة العالمية " بتكوين ما يسمى ب " مؤسسة المواطنة العالمية"  على موقع : http://globalcitizencorps.org/node/11846
برعاية أمريكية و بمشاركة بلاد مثل إندونيسيا ، العراق ، لبنان ، الأردن ، باكستان ، بريطانيا
.
و قد جاء على الموقع ما يسمى ب " تعهد المواطنة العالمية " :

إنني أتعهد أن أعيش بطريقة المواطن العالمي
من الآن فصاعداً وطيلة حياتي.
سأثابر على فهم أسباب الفقر الجذرية
وسأبحث عن وسائل مبدعة لمواجتها
سأختار ما أشتريه بعناية
وسأعتبرالعوامل الاجتماعية والبيئية
التي تلعب دوراً في صناعة السلع الاستهلاكية كلها.
أفهم أن الطريقة الوحيدة إلى إحداث تغييرات دائمة
تقع في تطوير عقلية الترابط العالمي
والتعامل مع الناس حولي لتشجيع
الشراكات العادلة والمتساوية والدائمة مع ناس في كل أنحاء العالم.

و لكن يبدو أن المشاركين في هذا التعهد قد تناسوا مصير برج بابل و الأسطورة المصاحبة له ، و كان حق لهم أن يتذكروا قول الله تعالى في سورة الروم آية 22 :

" وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ "





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق